--------------------------------------------------------------------------------
المتتبع لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يجده قد بذل جهدا كبيرا فى الإرشاد لتكوين مجتمع الأسرة، وهو المجتمع الصغير الذى يتكون من وحداته المجتمع الكبير.
ومن مظاهر عنايته بمجتمع الأسرة حثه على الاهتمام باختيار الزوجة الصالحة بقوله "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"، وعلى العناية بالأولاد والعدالة بينهم فى العطاء والمعاملة.
كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحب أولاده ويلاطفهم، يروى البخارى ومسلم "أن الرسول قبل الحسن بن على وعنده الأقرع بن حابس التميمى فقال الأقرع "إن لى عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا قط" فقال له الرسول "من لا يرحم لا يرحم" ثم ألزم الأب أن يسوى بين أولاده فى العطاء والمعاملة.
ويروى أن زوجة بشير بن سعيد الأنصارى طلبت إليه أن يخص ولدها النعمان بمنحة فاستجاب لها، وأرادت الزوجة توثيق هذه الهبة فطلبت من زوجها أن يشهد عليها الرسول فاستجاب بشير لرغبتها وذهب للرسول، فسأله الرسول "هل للنعمان إخوة؟ فأجاب نعم، فسأله الرسول "فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟" قال بشير "لا" فقال الرسول "ليس يصلح هذا، إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك، اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم".
كان عليه الصلاة والسلام يحب بناته ويحب أولادهن، أى أحفاده كالحسن والحسين ابنى ابنته فاطمة، و"أمامة" ابنة ابنته زينب ويحب زوجها أبا العاص لحفاظه على زينب واحترامه لها مع اختلاف الدين قبل دخوله للإسلام.
ولما ماتت زينب وتركت ابنتها "أمامة" أحبها الرسول عليه الصلاة والسلام ككل أحفاده وفى ليلة أهدى إليه قلادة ثمينة من خرز ثمين يوجد بظفار بجنوب الجزيرة فقال عليه الصلاة والسلام: "لأهدين هذه القلادة إلى أحب أهلى إليّ"، فقالت بعض الزوجات قد فازت بها ابنة أبى بكر، فلما أصبح دعا بأمامة وألبسها العقد. وأفاض فى الحديث عن بينان حقوق كل من الزوج والزوج تجاه الآخر، وأوضح التكافل بين الوالدين والأبناء، وألزم الأبناء برعاية الآباء حتى مع اختلاف الدين واتجه الرسول عليه الصلاة والسلام اتجاها أشمل وأفسح فرسم منهجا لو اتبعه المسلمون لتكون منهم أعظم مجتمع عرفته البشرية، فشمل هذا المنهج تنظيم الصلة بين الحاكم والمحكوم، وشرح النظام الاقتصادى الذى يبرز التزامات الغنى وحقوق الفقراء، ويؤكد ضرورة تطبيق التشريعات الإسلامية التى حفلت بها فترة المدينة، وسعى عليه الصلاة والسلام يتلمس الوسائل ليجعل كل إنسان يحس بأنه جزء من المجتمع الإسلامي، وعليه أن يعمل لإسعاده ورفع شأنه وأن الفرد لا يحقق النجاح لنفسه إلا بنجاح مجتمعه.
ومن هذه التوجيهات الصائبة قول الله تعالى "إنما المؤمنون إخوة" "الحجرات آية 10" هذا المعنى اهتم به الرسول صلى الله عليه وسلم وشرحه "المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله" وفى بيانه لمستلزمات هذه الأخوة "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" "لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا" رواه مسلم، و"مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر" وينتقل عليه الصلاة والسلام إلى ما أرفع من ذلك "والذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" "الشيخان".
ثم يصل إلى القمة عندما ينقل الحب إلى العمل لصالح من أحب، فإذا كان الإسلام ألزم المسلم أن يحب أخاه المسلم فإن عليه رعاية لهذه الأخوة أن يساعده ويعمل لإسعاده. من ذلك "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟" قالوا "بلى يا رسول الله" قال "إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هى الحالقة" رواه أبو داود. "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه، ومن ستر مسلما ستره الله فى الدنيا والآخرة، والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه" "متفق عليه" "إن شجرة كانت تؤذى المسلمين فجاء رجل فقطعها فدخل الجنة" "رواه مسلم".
سأل أبو برزة النبى صلى الله عليه وسلم أن يعلمه طريقا ينتفع به فقال له عليه الصلاة والسلام "اعزل الأذى عن طريق المسلمين" رواه مسلم. "عرضت على أعمال أمتى حسنها ومسيئها، فوجدت فى محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق" "أن تعدل بين الاثنين صدقة والكلمة الطيبة صدقة" وغير هذا كثير ومن ذلك يقول عليه الصلاة والسلام "بنى الدين على النظافة والنظافة من الإيمان".
فمتى سيقرأ المسلمون قراءة جديدة ومتجددة قرآن دينهم وسنة رسولهم ليتحدوا ويتآلفوا ويتطهروا من رجس الشيطان وإغوائاته المفرقة والمدمرة ويتعاونوا على البر والتقوى، ويتنظفوا من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول؟